تاريخ اليابان حتي فترة ميجي

  

(فترة جومون 8000 - 300 ق.م.) (縄文時代) ‏3، ‏4

تسمي هذه الفترة بالعصر الحجري الوسيط وأهم ما ميز هذه الفترة ظهور صناعة الخزف والطريقة الفريدة في زخرفتها. كما تميزت بتطور مجتمعات بدائية على كامل الأرخبيل قامت على نشاطي الصيد والجني وذلك قبل ظهور الزراعة.

عثر على أواني خزفية للفترة نفسها أثناء حفريات مختلفة، ووجدت عليها آثار لزخارف تم إنجازها عن طريق حبال مختلفة، مما حدا بالمؤرخين لأن يطلقوا على هذا الفترة اسم "فترة الخزف ذو الزخارف الحبلية"، وكانت هذه الخزفيات الأولى من نوعها، حيث لم يكن ممكنا قبل هذا العهد التحكم في شكلها النهائي لذلك اعتبرت هذه الخزفيات من العلامات الأولى على ظهور ثقافة بدائية يابانية.

مع بدء مرحلة الاستقرار وانتهاء حياة الترحال، ظهرت الزراعة ودخلت تقنية زراعة الأرز في الحقول المغمورة بالمياه والتي استحدثها الصينيون إلى اليابان عن طريق كوريا. وعلي الأرجح أنها انتشرت منذ القرن الخامس ق.م.

يقسم المؤرخون فترة جومون إلى عصور مختلفة:

جومون الوليد : 10,000 ق.م حتى 8,000 ق.م

جومون البدائي : 8,000 ق.م حتى 5,000 ق.م

جومون القديم : 5,000 ق.م حتى 2,500 ق.م

جومون الوسيط : 2,500 ق.م حتى 1,500 ق.م

جومون المتأخر : 1,500 ق.م حتى 1,000 ق.م

جومون الأخير : 1,000 ق.م حتى 300 ق.م

(فترة يايوي  300 ق م- 300 م) (弥生時代)    ‏3 ، ‏5

عرفت فترة "يايوي" انقطاعا عن سابقتها -"فترة جومون"- في المجال الثقافي، حيث تم إدخال العديد من التقنيات ومواد التصنيع القادمة من الخارج إلى اليابان. ساعدت هذه التقنيات على قيام حضارة استثنائية.

في هذه الفترة عرفت اليابان دخول المعادن والتقنيات التي تساعد في تصنيعها، كدخول النحاس والحديد والذي شاع استخدامه في صناعة الأسلحة.

 كما أن إدخال الأرز وما صاحبه من تطوير المساحات المخصصة لزراعته، ساعد على قيام مجتمعات بدائية كأولي التجمعات البشرية آنذاك.

وطبقاً للمصادر الصينية، وبالأخص "تاريخ الهان الأوائل"، والمصادر التي تناولت خصوصيات هذا العصر فإن اليابان عرفت أثناء هذه الفترة شعباً أطلق الصينيون عليه اسم "وا"، كما كان مقسماً إلي مئات الدويلات، والتي كان يتم ادارتها من طرف دولة عرفت باسم "ياماتاي"، تحت إمرة ملكة تسمى "هيميكو". حتى الآن لم يتم بعد الكشف عن أسرار هذه الدولة البدائية، ولا حتى أماكن تواجدها الجغرافي ولا مصيرها النهائي. ويعتقد البعض أن هذه الدولة كانت من أسلاف مملكة "ياماتو"، والتي ظهرت بعدها فوق سهول "نارا" حوالي 600 م.، وهي تعتبر من أوائل الممالك اليابانية، والتي تم إقرار وجودها فعلا حتى اليوم.

(فترة كوفون 250–538 م) (古墳時代)  ‏3 ، ‏6

يرجع أصل تسمية فترة كوفون إلى الآكام أو التلال القديمة، حيث تم عمل كومة كبيرة من ركام التراب اتخذت كضريح للقادة الكبار، ومع تواجد طبقة من القادة أكثر غنى وأكثر قوة، بدأت هذه الأضرحة تأخذ أبعادا هائلة.

كانت الأضرحة أو كوفون المعروفة خلال الفترة تمتد إلى أكثر من 200 متراً طولاً، كما يتم إحاطتها بأسطوانات من الطين أو ما يعرف باسم هانيوا، فوق كل منها طبق مخصص للقرابين التي تقدم للآلهة، ومزخرفة بصور تمثل عادة محاربين من تلك الفترة.

 تم العثور في منطقة كيناي، جنوبي حوض ياماتو، على أقدم نماذج لهذه الأضرحة. وهي تنتشر على كامل القطاع الغربي، وحتى كيوشو، ثم شرقاً حتى كانتو، مما يعطينا فكرة عن مدى الانتشار والتأثير الذي صاحب قيام مملكة ياماتو (大和) في تلك المنطقة.

وقد أكد تآريخ الحوادث الصينية ثم أولى الحوليات اليابانية وأيضاً الإكتشافات الحديثة والحفريات، حقيقة تواجد مملكة ياماتو 大和  جنوب مايعرف اليوم بكيوتو ما بين 300 م. و 500 م.

ويبدو على الأرجح أن إحدى الجماعات البدائية القوية، استطاعت أن توحد من حولها وتحت سلطتها الممالك الأخرى المنتشرة على سهول نارا، وقد تكون هذه العملية قد تمت بمساعدة النازحين الجدد الآتين من مملكة بائيكتشي الكورية. ثم بدأت ومنذ 550 م. هيمنة وتأثير مملكة ياماتو تنتشر في جنوب كيوشو وشرق كانتو، كما دلت عليه آخر الاكتشافات الأثرية، وفي نفس الفترة تم عقد أولى العلاقات الرسمية مع كورية ومملكة سونغ الصينية. كان من ثمار هذه العلاقات الدخول التدريجي للكتابة إلى البلاد، ودخلت اليابان بذلك التاريخ لأول مرة.

إن هيمنة بلاط ياماتو كان نتيجة لعبة توازنات مدروسة بين العشيرة الحاكمة والعائلات الكبيرة أو أوجي، والتي بات تأثيرها وقوتها في اضطراد مستمر، وبالأخص بعد ح 500 م. كان لبلاط ياماتو الدورالكبير في دخول البوذية البلاد، وقد بدأت هذه الأحداث العام 538 م.، عندما أرسل ملك بائيكشي الكوري إلى اليابان تمثالاً وبعضاً من النصوص البوذية. ترسخت بعد ذلك هذه الثقافة في نفوس شعب الأرخبيل، وكنتيجة لذلك ومنذ القرن السابع، أصبحت البوذية الديانة الرسمية لليابان.

فترة ياماتو (大和)  9

 

هي الفترة التاريخية التي صاحبها قيام أول دولة مركزية في اليابان، في الموضع الذي يعرف اليوم بـ"سهل نارا". ظهرت هذه المملكة في القرن الرابع الميلادي كما ذكرت المصادر الصينية، وتعود الأصول التاريخية للأسرة الإمبراطورية الحاكمة في اليابان اليوم إلى هذه الحقبة. أهم ما تميزت به هذه الفترة هو إدخال نظام الكتابة الصيني لليابان

من بين الدلائل الأثرية التي ترجع إلى هذه الحقبة، سيفان اثنان، عثر على أحدهما في سهل كانتو، والآخر في جزيرة كيوشو. يرجع تاريخهما إلى عام 471 م، نقشت عليها عبارات ثناء تُشيد بـ"يورياكو"، أحد حكام "مملكة ياماتو" بين سنوات 456 و 479 للميلاد. إلا أن المشكلة الحقيقية الذي يواجهها المؤرخون هو إيجاد سبب النشأة الفجائية لهذه المملكة، والنقلة النوعية التي شهدتها الحضارة اليابانية في تلك الفترة.

جاء في وقائع الأحداث القديمة الـ"كوجيكي" () والذي يعود إلى عام 712 م: قامت آلهة الشمس "أماتيراسو أو مي كامي" بإرسال حفيدها نينيجي ليحكم الأرض. انتقلت إليه مقاليد الحكم من يد أحد أحفاد "أوكونينوتشي"، والذي كان من سلالة أحد إخوة الآلهة أماتيراسو: "سوسانووو نو ميكوتو". خرج من صلب نينيجي كل الأباطرة الذين حكموا اليابان. أصبح أحد أحفاده وهو "جينمو تينو" أول إمبراطور من الإنسيين يحكم اليابان كما تقول الأسطورة.

في ضوء التفسيرات التي تقدمها لنا المصادر التي تعرضت لتاريخ الفترة، تطورت الأمور بعد أن نشأ خلاف بين اثنين من العشائر المحلية التي كانت تتواجد بالمنطقة، أسفر النزاع بأن عززت عشيرة ياماتو هيمنتها على المنطقة. في مرحلة ثانية وسعت هذه العشيرة مناطق نفوذها حتى جنوبي جزيرة هونشو، ثم إلى الشمال من سهل كانتو. لا تذكر المصادر التاريخية من هي العشائر المتنازعة ولا عن الطريقة التي تم بها حل النزاع. طرحت بعض النظريات التي ترجح أن عشيرة ياماتو تنحدر من أحد الشعوب القادمة إلى المنطقة على ظهور خيولهم من شبه الجزيرة الكورية. رغم أنه يمكن لهذه النظرية أن تفسر لنا بعض الخصائص الفريدة التي تميزت بها هذه المرحلة، إلا أن الكثير من الغموض بقي بدون تفسير، كما أنه لم يرد في كل الكتابات اليابانية القديمة الإشارة ولو بصفة عابرة لأصول غير يابانية للأسرة الحاكمة في اليابان.

وبغض النظر عن الأصول المحتملة لتلك الفترة، فإن قيام نظام مركزي لأول مرة على سهل نارا هو أمر مفروغ منه، وقد بسطت هذه الدولة سيادتها شيئا فشيئا على بقية المناطق اليابانية. يرجح أن تكون الأسماء التسع الأولى للأباطرة التي وردت في الكتابات القديمة أسماء أسطورية، ويعتبر الإمبراطور العاشر، سوجين (والذي تطلق عليه الكوجيكي اسم "أول الأباطرة الذين حكموا العالم الأرضي") أول حاكم تم إثبات وجوده فعليا، إلا أن فترة حكمه الحقيقية مغايرة تماما لما جاء في الكتابات القديمة. يمكن الاعتماد على هذه المصادر القديمة في تدوين الأنساب الإمبراطورية ابتداء من حكم الإمبراطور أوجين (270-310) ثم نينتوكو (313-399 م).

بعد ذلك انتظم البلاط الإمبراطوري، وأصبحت بعض العشائر القوية على غرار "سوغا"، "أوتومو" و"مونونوبه" من حلفاء النظام الأقوياء، وتقلد أفرادها وظائف عالية في أجهزة الدولة، ثم صاروا يتوارثونها جيلا بعد جيل.

بالإضافة إلى مملكة ياماتو، تواجدت عشائر أخرى تمتعت باستقلالية كبيرة، أقامت بعضها علاقات مباشرة مع الصين، وكوريا. إلا أن عشيرة ياماتو حسمت الموقف لصالحها وعلى حساب العشائر الكبرى الأخرى حين بدأت في استعمال نظام الكتابة الصيني، كان ذلك أول مرة يتعرف فيها اليابانيون على الكتابة، تم بعدها كتابة أولى القوانين والحوليات الأسطورية عن البلاد، جاء فيها الإشارة إلى الأصول الإلهية للعائلة الإمبراطورية.

(فترة أسوكا 593 - 710 م) (飛鳥時代)  ‏7

 

مع نهاية القرن السادس الميلادي، أخذت هيمنة عشيرة سوغا على بلاط ياماتو تتزايد عن طريق تشكيلهم لتحالفات مدروسة. عرف عن الـسوغو قربهم من مجموعة النازحين الكوريين الجدد، كانت بلادهم تعرف إضرابات سياسية، جلب هؤلاء معهم بعضا من معالم ثقافتهم، وكانت البوذية الشكل الأبرز لها. قابل أفراد عشيرة الـسوغو البوذية بالترحيب، وبالأخص وأنها لم تكن غريبة كليا عنهم، فقد قام الإمبراطور الكوري به-إيك-تشه، بإهداء البلاط تمثال لبوذا ومجموعة من النصوص البوذية عام 538 م.

بعد وفاة الإمبراطور" يومي" عام 587 م استطاع هؤلاء إبعاد عشيرتي ناكاتومي ومونونوبه عن البلاط وسميت هذه الفترة بأسوكا (飛鳥) نسبة إلى المكان الذي احتضن البلاط الإمبراطوري. أهم ما ميزها هو انفتاح البلاد على الثقافتين الصينية والكورية، وإدخال البوذية.

كان أومادايو (والذي عرف لاحقا باسم شوتوكو تايشي) من أبناء الإمبراطور المتوفى " يومي". عرف عنه تعلقه الشديد بالبوذية وتطلعه إلى أن يجعل من بلاده اليابان أكثر تفتحاً على الثقافة الصينية. قام الأمير بالانحياز إلى زعيم طائفة الـسوغا "سوغا نو أوماكو" الذي استطاع أن يضع على عرش اليابان إمبراطورا جديدا من أتباعه وهو سوشون (崇峻天皇) الذي عرف بتأييده لسياساته .


بدأت  فترة أسوكا مع تتويج الإمبراطورة سوئيكو (推古天皇) (592-628 م)، والذي أعقب اغتيال زعيم عشيرة الـسوغا للإمبراطور السابق سوشون. 



 حلت الإمبراطورة سوئيكو محل الإمبراطور المقتول وتم إعلان الأمير تايشي وليا للعهد. إلا أنه توجب على الأمير الانتظار حتى وفاة زعيم عشيرة الـسوغا، أوماكو (والذي كان من أشد المدافعين عن التقاليد اليابانية ضد الديانة البوذية الدخيلة) حتى يتولى شؤون الحكم.

 

برز إسم الأمير شوتوكو تايشي أو الأمير شوتوكو (聖德太子) ) من أمراء البلاط الإمبراطوري والذي عاش في الفترة (574-622) وكان من أمراء البلاط الإمبراطوري وقاد البلاد في بداية فترة أسوكا وأثناء حكم الإمبراطورة سوئيكو في الفترة (592-622 م). ‏7

أصبح الأمير شوتوكو وصيا على خالته (أو عمته) الإمبراطورة سوئيكو، وكان الحاكم الفعلي للبلاد.

 تنسِب إليه المصادر التاريخية أغلب الإصلاحات التي أجريت في أوائل القرن الـ7 للميلاد. قام بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع الصين والتي توحدت من جديد في ظل حكم أسرة سوئيكو،كما تقرر إرسال بعثات من السفراء والطلاب بصورة منتظمة إليها. وقام أيضاً بإعلان البوذية ديانة رسمية للدولة، مما شجع على انتشار الثقافة الصينية وظهور طبقة جديدة متشبعة بها إلى حد كبير.  كما يعزو إليه كتابة أولى الكتابات والتعليقات اليابانية على كتاب الـسوترا البوذي. قام بوضع نظام المراتب الاثنتا عشر و أمر بتشييد أولى المعابد في البلاد على الطراز الصيني لترسيخ البوذية في البلاد.

من أشهر المعابد التي شيدت أثناء هذه الفترة، هوريوجي في نارا، الـهوكوجي في أسوكا والـشيتن-نوجي في نانيوا .

بدأت أولى محاولات الإصلاح الإدارية عام 603 م عندما تم الإعلان عن الميثاق ذو السبع عشر نصاً وجاءت نصوص القانون الجديد مستوحاة من العقيدتين البوذية والكونفشيوسية معاً.  حمل هذا الميثاق في طياته قيام بيروقراطية على النمط الصيني، تم معها وضع الدرجات والطبقات التي سيخضع لها عمال الدولة.

تم أيضاً إتخاذ إجراءات لإعلان السيادة والإستقلال عن الجارتين الصين وكوريا، كما تم في هذه الفترة اتخاذ اسم رسمي للبلاد: نيهون (منبع الشمس) بدل التسمية التي كانت يطلقها الصينيون عليهم (وا). ولنفس الأسباب اتخذ الإمبراطور لقب تينو (النجمة القطبية)، كما عدل البلاط عن تغيير مقر الإقامة في كل مرة ينصب فيها الإمبراطور جديد. إلا أن هذا لم يمنع البلاط من الانتقال مرتين، إلى فوكاوا-كيو مرة أولى عام 694 م ثم إلى هييجو-كيو (نارا) عام 710 م.

إصلاحات عهد تائيكا 645 - 649 م ((大化改新

بعد موت شوتوكو، عادت عشيرة سوغو إلى عادتها القديمة في التسلط على شؤون البلاط، اصطدموا في أول الأمر بأحد أبناء الأمير شوتوكو، فقاموا باغتياله ثم نصبوا الإمبراطور جوميي (628 م) من قِبلهم. بعدها بفترة احتدم صراع جديد بين ولي العهد الأمير ناكا أويي ومستشاره ناكاتومي نو كاماتاري مع زعماء عشيرة سوغا. انتهى هذا الصراع بطريقة دموية، فقد عثر على سوغا روكا )زعيم الـسوغا( مقتولا عام 645 م في أحد أروقة البلاط الإمبراطوري في كيوتو.

انتهت مع مصرع زعيم الـسوغا المرحلة الانتقالية، والتي دامت منذ موت الأمير شوتوكو، وبدأت مرحلة جديدة تواصلت فيها الإصلاحات، عرفت تاريخيا باسم إصلاحات عهد تائيكا  التي استمرت 4 سنوات بداية من عام 645 حتي عام 649 م. قاد هذه الإصلاحات الجديدة كل من الأمير ناكا نو أويي والذي أصبح إمبراطورا فيما بعد واتخذ لقب تنجي (天智天皇)-، ومستشاره ناكاتومي نو كاماتاري (614-669 م)، والذي عرف بعدها بلقب فوجي-وارا (藤氏) . تمكن الاثنان من وضع حد لهيمنة عشيرة سوغا، وفي نفس السنة (645 م) تم الإعلان عن المراسيم التي دشنت أولى إصلاحات عهد تائيكا. الهدف الغير معلن من هذه الإصلاحات هو تقوية البيت الإمبراطوري على حساب البيوتات والعشائر الأخرى. كانت القوانين الصينية للفترة نفسها المصدر الأول لهذه المراسيم: تم إعادة تقسيم الأراضي والتي أصبحت ملكا للدولة، بطريقة أكثر تكافؤا، في مقابل ضريبة يتم استخلاصها من أيدي كبار العشائر، كما تم إعادة النظر في نظام الجباية بما يتوافق مع الطريقة الجديدة في توزيع الأراضي.

يعتبر حكم الإمبراطور تيمو (673-686) أبرز شاهد على مدى سطوة الأباطرة وزيادة نفوذهم علي حساب القوي السياسية الأخري في البلاد. تولى الإمبراطور تيمو الحكم في أعقاب نزاع بين ورثة الإمبراطور السابق. منذ أيام حكمه الأولى قام بالإعلان عن مجموعة من المراسيم والقوانين حتى تمنحه مزيدا من السلطة تحت غطاء شرعي. ومن أبرز الأعمال التي قام بها: إصلاح الجيش، تدوين تاريخ قومي للبلاد، تنظيم الطرقات البرية. جاءت بعد ذلك مراسيم وقوانين أخرى على غرار كيوميهارا -والذي أقرته زوجته الإمبراطورة جيتو (686-697 م)، واستمرت الإصلاحات ووضع القوانين خلال فترة الإمبراطور مومو(697- 707) والإمبراطورة غيميه (707 – 715) ، رسخت كلها وبالتدريج قيام ما أطلق عليه المؤرخون الدولة التي تديرها القوانين، دولة ذات طابع مركزي، تهيمن عليها طبقة من الموظفين، تمتعت بسلطة كبيرة، قسم أفرادها طبقات متفاوتة حسب درجة الوظيفة. أصبح نمط إدارة المملكة يتم على الطريقة الصينية. استمر العمل بهذا النظام أثناء فترة نارا حتي بداية فترة هييآن (794-1185 م).

فترة نارا 710 - 784 م 奈良時代)) 10

سميت فترة نارا على اسم نارا، وهي المدينة التي احتضنت البلاط الإمبراطوري حيث أقدم البلاط الإمبراطوري عام 710 م. على تعطيل عادة متبعة كانت تلزم الإمبراطور الجديد تغيير محل إقامته عند اعتلاء العرش. فتم إقرار "هيي-جو كيو" (المكان عرف لاحقاَ بـ"نارا" (奈良)، وتم إتخاذها عاصمة دائمة لليابان. تم تصميم العاصمة على نمط مركزي، تشبه إلي حد كبير المدن الصينية آنذاك. عرفت الحياة السياسية لهذه الفترة هيمنة أبناء "ناكاتومي نو كاماتاري"، الذين اشتهروا باسم "فوجي-وارا ( 藤氏  أو 藤氏)

وكان من أهم أعمالهم تشجيع البوذية، كما يشهد على ذلك تمثال نارا لبوذا، والذي تم إنشاؤه عام 752 م. وأيضاً إزدهار العلاقات الدبلوماسية مع الصين التي كانت تحكمها سلالة الـ"تانغ" آنذاك.

بدأ السكان في التكاثر المستمر، وأصبحت المساحات المخصصة لزراعة الأرز، والتي تم توزيعها حسب النظام القديم غير كافية. لذلك تم الإعلان عام 723 م. عن مرسوم يسمح بموجبه للذين يقومون بتهيئة أراضٍ جديدة، باستغلالها خلال ثلاثة أجيال كاملة. مع بداية تعميم تطبيق هذا المرسوم عام 743 م. بدأت المعابد والعائلات الكبيرة في اقتناء مساحات شاسعة من الأراضي واستغلالها لمدة غير محدودة.

تمت خلال هذه الفترة كتابة أولى التواريخ اليابانية، مثل ـ"كوجيكي" (古事記) عام 712 م. ثم "نيهون شوكي" (日本書紀) عام 720 م. كما تم في نفس الفترة الانتهاء من تجميع أولى الملاحم الشعرية، أو ما عرف باسم "مان يوشو" (万葉集) "مجموعة العشرة آلاف ورقة" 760 م. كما عرفت الفترة نفسها انتشار الفنون والطابع المعماري ذو التأثيرات الصينية، مع ظهور بعض العلامات الفارقة فيهما والتي أعطت فيما بعد الطابع المميز للبلاد. بدأت المعابد البوذية في التكاثر، وكثر معها عدد رجال الدين والمستخدمين، وشكل ذلك عبئاً ثقيلا على البلاط الإمبراطوري. حاول الإمبراطور "كانمو" (الذي حكم ما بين 781 م. و 806 م.) أن يتخلص من العبئ والتأثير الذين كانا يمارسهما رجال الدين على البلاط، فتم نقل العاصمة إلى "ناغا أوكا" سنة 784 م، ثم بعد عشر سنوات مرة إلى إلى "هيي-آن كييو" والتي عرفت بعدها باسم "كيوتو"، ظلت المدينة مركزا للبلاط الإمبراطوري حتى 1868 م. حين تم إعلان الإصلاحات فانتقل البلاط إلى "طوكيو" ودخلت اليابان بعدها الفترة الحديثة.

)فترة هييآن 794-1185 م( (平安時代) ‏11

حملت فترة هييآن معها عهداً من الرخاء دام حوالي 350 سنة. مع بداية القرن التاسع، استطاع البلاط الإمبراطوري أن يبسط هيمنته على كامل الجزر الرئيسية لليابان، بإستثناءجزيرة هوكايدو (北海道)، شمال هنشو. واستمرت الحملات العسكرية المنظمة للحد من سيطرة السكان الأصليين للجزيرة أو مايعرف باسم الـآينو (蝦夷)،.

هيمنة الفوجي-وارا      (藤原    ( 

ابتداءً من النصف الثاني من القرن التاسع، أخذت السلطة الحقيقة في الإفلات من العائلة الحاكمة وأصبحت بين أيدي الـفوجي-وار.  تمكن أفراد هذه العائلة من وضع سياسة سمحت لهم بالسيطرة على اثنين من المناصب الحساسة في الدولة: منصب الوصي أو الـسيشو (摂政) -كان يتولى أمر الإمبراطور قبل بلوغه سن الرشد. ومنصب الحاجب (كبير المستشارين) أو الـكانباكو (関白) -كان يتولى شؤون الإمبراطور بعد سن الرشد

 توفى الإمبراطور مونتوكو (文徳天皇) سنة 858 م وترك العرش للإمبراطور سه-ئيوا (清和天皇) الذي كان عمره ثمان سنوات، مما جعل المجال أمام جده فوجي-وارا نو يوشي-فوسا مفتوحاً، ليستولى على مقاليد الحكم مع اتخاذه لقب الوصي، مرسخاً بذلك لعادة استمرت حتى نهاية القرن العاشر. منذ ذلك العهد سيطرت العائلة على كل المقاليد الرسمية في البلاط ثم امتدت السيطرة حتى شملت الإدارة. دأبت هذه العائلة جيلاً بعد جيل على تزويج إحدى بناتها من ابن الإمبراطور الحالي، فكانوا كلما ولد صبي جديد يقومون بعقد قرانه على بنت من بنات الـفوجي-وار. يقومون بعدها بإجبار الإمبراطور على التنازل لصالح ابنه والذي غالباً ما يكون حديث السن، فيتم وضعه تحت وصاية كبير عائلة فوجي وارا.

من الشخصيات المؤثرة في التاريخ الياباني لـ"فترة هييآن ، فوجي-وارا نو ميتشيناغا (藤原道長).(966-1028 م.).  

تولى منصب الوصي بعد وفاة أخويه سنة 995 م وأصبح عميد عشيرة الـ"فوجي-وارا"، خلع عليه لقب "نائيران"، وأصبح له بذلك حق الإطلاع على جميع الوثائق التي يتم تقديمها للإمبراطور. وتمكن بفضل منصبه من أن يكون شبكة قوية من العلاقات وحتى يدعم موقعه في الدولة ويكتسب شرعية أكبر، قام بتزويج ثلاث من بناته من أباطرة. ابنته الكبرى تزوجت من الإمبراطور "إشيجو" (986-1011 م) ، أنجبت منه اثنين من الأبناء، أصبحا بدورهما إمبراطورين، "غو-إشيجو" (1016-1036 م)

 و"غو-سوزاكو" (1036-1045 م).  وتزوجت ابنته الثانية من الإمبراطور "سانجو" (1011-1016 م). أما ابنته الثالثة فتزوجت من حفيده الإمبراطور "غو-إشيجو" (1016-1036 م).

تميزت فترة الـفوجي-وارا بتطور ثقافة وطنية يابانية متحررة من التأثيرات الكورية والصينية. كان عهد ميتشيناغا  من أبرز الفترات التي عرفها اليابان أثناء حكم هذه العائلة. عاشت الثقافة الوطنية أزهى عصورها في بلاط فترة هييآن. في الميدان الأدبي برزت نساء أديبات مثل موراساكي شيكيبو ( 式部)، صاحبة قصة جنجي (源氏物語)، وسي شوناغون (清少納言)

عرفت الفترة أيضاً ضعفاً للإدارة المركزية، مما انعكس بالسلب علي الأوضاع الإقتصادية  وشجع الطوائف البوذية للإستفادة من هذا الضعف، فتمكنت كلاً من طائفة تندائي وشنغون من الحصول على أراض شاسعة، ومثلهم فعل رجال الطبقة الحاكمة فقد اتخذوا لأنفسهم مساحات شاسعة قاموا بإدارتها علماً بأنهم لا يقوموا بدفع الضرائب مثل بقية الشعب.

هذا الوضع الضعيف للبلاط الإمبراطوري، جعل رجال عشيرة الـتائيرا يعلن نفسه إمبراطورا على البلاد عام 940 م. وكان هذا بمثابة البداية لدخول البلاد في منعطف خطير حيث سيطرت كل عشيرة علي منطقة وتسعي إلي زيادتها وكانت تقوم بتسيير الأمور بإستقلالية عن الحكم المركزي ، فدخلت في حروب مع العشائر الأخرى.

الحروب الأهلية

مع موت ميتشيناغا سنة 1028 م، انتهت مرحلة سيطرة الـفوجي-وارا وبدأت العائلة في فقدان سيطرتها على مقاليد الحكم. وبموت الإمبراطور غوريزي الثاني (後冷泉天皇) سنة 1068 م، لم يكن بين أفراد هذه العائلة شخص في سن تسمح له بلعب دور قيادي. عاد اللقب بعدها إلى الإمبراطور غو سانجو أو سانجو الثاني  (後三条天皇). الذي حكم من عام 1968 حتي عام 1973 وقام بحركة جديدة ليعلن من خلالها استقلاله. ثم بدأ العهد الجديد مع تولي ابنه الإمبراطور شيراكاوا (白河天皇) الذي حكم منذ 1072 حتي 1086 م. وسمي العهد الجديد عهد الأباطرة المنعزلين. قام شيراكاوا بالتنحي لصالح ابنه الإمبراطور هوريكاوا (堀川天皇) سنة  1086 م. مع قيامه بدور الوصاية عليه واستمرت فترة هوريكاوا حتي عام 1107 وتولي إبنه الإمبراطور توبا (鳥羽天皇 ) مقاليد الحكم بعد وفاته في الفترة (1107–1123).

في نفس هذه الفترة، وتحديداً في المقاطعات والبلاد البعيدة عن الحكم المركزي، بدأت طبقة جديدة من الرجال المحاربين في البروز. كانت أولويات حكام هذه المقاطعات مغايرة لما يراه رجال البلاط الإمبراطوري، لذلك اتخذ هؤلاء الحكام طبقة خاصة من المحاربين عرفوا باسم بوشي (武士) (والتسمية الشائعة لهؤلاء المحاربين لاحقاً هي ساموراي (. كانت هذه الطبقة الجديدة في خدمة أصحاب الأراضي وحكام المقاطعات الذين بقوا في العاصمة الإمبراطورية. كانت مهامهم تنحصر في حماية وإدارة ممتلكات كبار الملاك. ثم بدءوا في تنظيم أنفسهم وتشكيل تجمعات أو عشائر. إحدى أهم هذه العشائر عرفت باسم الـتائيرا ()، كانت هذه الطائفة من المحاربين تتمتع بحماية الأباطرة المنعزلين. اكتسبت هذه الطائفة سمعة كبيرة في البلاد بعد إحكام سيطرتها على مناطق جنوب غرب البلاد. ثاني هذه الطوائف كانت الـميناموتو () والذين تمتعوا بدورهم بحماية الـفوجي-وارا ثم سيطروا بدورهم على مناطق السهول حول كانتو.

بعد وفاة الإمبراطور توبا حدث صراع علي الحكم  بين إبنه غو شيراكاوا (後白河天皇)  و الإمبراطور السابق سوتوكو. كما حدث الانشقاق بين الأخوين فوجي-وارا: تاداميشي ويوريناغا. تحالف كل من سوتوكو مع يوريناغا من الـفوجي-وارا وتامه يوشي من الـميناموتو ضد حلف مشكل من غو شيراكاوا (ابن الإمبراطور)، تاداميشي من الـفوجي-وارا، ثم انضم إليهم كل من عشيرة الـتائيرا يقودها كييوموري وأخرى من عشيرة الـميناموتو يقودها يوشي-تومو ( 義朝) -هو نفسه ابن تامه-يوشي من الـميناموتو حليف سوتوكو. انتهت الحروب الطاحنة بين الطائفتين أو ماعرف لاحقا بـاضطربات عهد هوجن بانسحاب سوتوكو من الساحة وتنصيب شيراكاوا (أو غو-شيراكاوا). إلا أن الأخير وفي غمرة النشوة بالنصر تناسى حلفاءه وبالأخص يوشي-تومو من الـميناموتو الذي قام بتدبير إنقلاب وقام بخلع الإمبراطور سنة 1159 م. عرفت هذه الفترة باسم اضطرابات عهد هه-ئيجي. إلا أنه سرعان ما عاد الوضع لينقلب من جديد مع تدخل كييوموري قائد عشيرة التائيرا  وتصفيته لقادة الانقلاب وبالأخص يوشي-تومو من الـميناموتو وأفراد عائلته. الناجيان الوحيدان من المذبحة كانا ابنا السابق، ميناموتو نو يوريتومو (源頼朝) وميناموتو نو يوشي-تسونه.

هيمنة التائيرا

بسطت عشيرة الـتائيرا هيمنتها على البلاد وبدأ قائدها كييوموري يستحوذ على المناصب العليا في البلاط ، وفي سنة 1167 م اتخذ لقب "داجو دائيجن" (وزير الشؤون العليا) ، متبعاً طريقة الـفوجي-وارا، ثم بدأ بتوزيع المناصب على أفراد عائلته وزوج إحدى بناته من أحد الأمراء، والذي أصبح أحد أبناءه، أنتوكو إمبراطورا سنة 1180م. إلا أنه توفي في العام الموالي. لم تعمر هيمنة الـ"تائيرا" طويلا بعد ذلك. كان ابني غريمه السابق "يوشيتومو"، "ميناموتو نو يوريتومو" (源頼朝) و"ميناموتو نو يوشي-تسونه" قد أصبحا في سن النضج.  في نفس العام كان ميناموتو نو يوريتومو (源頼朝) قد اتخذ من كاماكورا (鎌倉) في شرق البلاد مقرا رئيسا له، وبعدما استقرت به الأحوال أخذ هذا الأخير يبحث عن الذرائع للاستيلاء على العاصمة الإمبراطورية (كيوتو). فاستغل فرصة قيام أحد أقرباءه يوشي-ناكا بثورة، ليبدأ حملة جديدة من المناوشات، إلا أن الحملة لم تأتي بجديد. كان عليه الانتظار حتى سنة 1183 م، حينما هاجم يوشي-ناكا العاصمة من جديد، فجمع يوريتومو العدة وجهز حملة بقيادة أخيه ميناموتو نو يوشي-تسونه. تمكن هذا الأخير من إنقاذ الإمبراطور غو شيراكاوا (後白河天皇). إلا أن المعارك لم تهدأ وبدأت حملات مطاردة ضد طائفة الـتائيرا إلى الغرب من البلاد. كان معركة دان نو أورا فاصلة، تم بعدها القضاء نهائيا على هذه الطائفة. يعتبر المؤرخون هذا الحدث نهاية الحقبة القديمة من التاريخ الياباني وبداية حقبة العصور الوسطى.

فترة كاماكورا 1185–1333  (鎌倉時代)، ‏12

تعتبر الهزيمة التي منيت بها عشيرة التائيرا في معركة دان نو أورا (1185 م) الحدث الفاصل بين فترة هييآن التي انقضت وفترة كاماكورا التي تلتها. انتهت مع الفترة السابقة الفترات التاريخية القديمة للبلاد، وبدأت مرحلة العصور الوسطى. امتدت فترة كاماكورا ما بين (1185-1333 م.)، عرفت هذه الفترة ولأول مرة نظام حكم جديد، أصبح الشوغون الحاكم الأول في البلاد فيما انحسر دور الإمبراطور أكثر.

الميناموتو والنظام الجديدة

بعد هزيمة عشيرة الـ"تائيرا"، أحكم "ميناموتو نو يوريتومو" (源頼朝) قبضته على البلاد. بدأ بالتخلص من أخيه (ميناموتو نو يوشي-تسونه) ثم أخذ يشن حملات متتالية على أعدائه حتى دانت له البلاد مع حلول سنة 1189 م. بدأت مدينة "كاماكورا" (鎌倉) شرقي البلاد، وبعيداً عن تأثير البلاط الإمبراطوري، تعرف نوعا جديدا من السلطة، سلطة دنيوية في مقابل سلطة الإمبراطور الدينية، تستمد هذه السلطة الجديدة شرعيتها من كونها مقرَة من طرف الإمبراطور نفسه، كان الإمبراطور بحاجة إلى ذلك ليحمي نفسه من الغوائل ويتجنب تبعات السلطة. ابتداءً من هذا العهد صار المؤرخون يسمون الفترات التاريخية باسم المكان الذي يحتضن بلاط الـ"شوغونات" -و ليس الأباطرة كما جرت العادة-، فالسلطة الفعلية للبلاد أصبحت في أيدي هؤلاء، وعلى هذا سميت هذه الفترة باسم كاماكورا (鎌倉時代) وهي المدينة التي احتضنت البلاط الثاني.

في العام 1192 م. خلع الإمبراطور على "ميناموتو نو يوريتومو" (源頼朝) لقب "سيئي-تائي-شوغون" (征夷大将軍) أو "قائد الذي يحارب البرابرة"، اختصر اللقب فيما بعد إلى "شوغون" أو شوجون كما يرد ذكره في بعض المراجع العربية. عرفت الحكومة أو السلطة الجديد باسم "باكوفو" (幕府) أو "حكومة الخيمة". كانت مدينة "كاماكورا" العاصمة الجديدة لهذه الحكومة. أرسى العهد الجديد قواعد إقطاعية جديدة ظلت سائدة حتى الفترة الحديثة.

هيمنة الهوجو

لم تعمر عشيرة الـ"ميناموتو" في الحكم طويلا. مع حلول سنة 1219 م خلت الساحة من أي من أبناء هذه العائلة ممن تتوفر فيهم أهلية للحكم. فتمكنت عشيرة زوجة "ميناموتو" أو الـهوجو (北条氏)، من الاستيلاء على لقب "الوصي" والذي أصبح حسب الأعراف الجديدة وراثياً. بقي اللقب بين أيدي هذه العشيرة حتى سنة 1333 م، وأصبح الـ"هوجو" يفرضون وصايتهم على الـ"شوغونات"، والذين كانوا بدورهم أوصياء على الأباطرة في "كيوتو". عرفت الفترة " اضطرابات عهد جوكيو (承久の乱)، حيث حاول خلالها الإمبراطور المنعزل "غو توبا" أو "توبا الثاني" (後鳥羽天皇)  أن ينقلب على نظام "الشوغونات". فشلت المحاولة وكان من نتائجها أن تعززت سلطة "الشوغونات" أكثر بينما اهتزت صورة السلطة لإمبراطورية عند الشعب. قام هؤلاء بعدها بسن قانون مدني ثم جنائي من واحد وخمسين نصاً، ظل القانون معمولا به حتى نهاية القرن الرابع عشر.

الغزو المغولي

على مدى أكثر من مائة عام، سيطر الـ"هوجو" على كل شيء تقريبا. قام ولاة ورجال هؤلاء في المقاطعات بدورهم بتثبيت وجودهم وهيمنتهم وشكلوا طوائف عسكرية جديدة. في سنة 1274 م.، كان المغول قد أتموا سيطرتهم على الصين وكوريا، فحاولوا أن يخضعوا اليابان. إلا أن المقاومة الشرسة التي أبداها اليابانيون الذين نحوا خلافاتهم جانياً ولو مؤقتاً. وأيضاً تعرض الأساطيل المغولية مرتين متتاليتين لعواصف بحرية هوجاء. كل ذلك أثنى المغول عن فكرة غزو الأرخبيل وبقيت الذاكرة الشعبية تحتفظ بهذه الذكرى، فأطلق اليابانيون على هذه الرياح اسم "الرياح الربانية" أو "كامي-كازي" (神風) وكلمة "كامي" () تطلق في اليابان على الموجودات الطبيعية التي يعتقد أن روحا عظيمة تسكنها، وقد تترجم أحيانا بلفظ "آلهة"، وتنحدر هذه الكلمة من الديانة الأصلية للبلاد أو "الشنتو" (神道).

فترتي "استعراش كنمو" ثم "نان بوكوشو"

بعد جلاء المغول عن البلاد، بدأت مشاكل جديدة تطفوا على السطح. تركت الحروب الطاحنة نظام الـ"هوجو" هشا ودون موارد. كان الإمبراطور المنفي "غو دائي-غو" (後醍醐天皇) قد توج سنة 1318 م. ثم نفي بسبب محاولته الإطاحة بنظام الـ"شوغونات"، قرر هذا الأخير وهو في المنفى أن يعيد الكرة، مستغلاً حالة الضعف التي يمر بها النظام، بدأ يجمع حوله الرجال استعدادا لحركة الانقلاب. كان أول من انضم إليه "أشيكاغا تاكا-أوجي" (足利 尊氏) ح(1305-1358 م.)، سيد عشيرة الـ"أشيكاغا" وأحد القادة الحربيين الذين كلفهم الـ"هوجو" باستعادة السيطرة على البلاد. نجحت المحاولة وتم قلب نظام الـ"شوغونات" وعادت السلطة إلى الإمبراطور "غو دائي-غو"، عرفت هذه الفترة باسم "استعراش كنمو"، إلا أنها لم تعمر طويلاً وانتهت بعد ثلاث سنوات (من 1333 وحتى 1336 م).

كان "أشيكاغا تاكا-أوجي" (足利 尊氏) طموحا جدا، ويبدو أن الإمبراطور أهمل هذا الجانب فلم يقدره كما كان يريد. انتهى الأمر بأن طرد الأخير من عاصمته سنة 1336 م. وتم تعيين إمبراطور جديد، ثم تلقى "أشيكاغا تاكا-أوجي" مهامه الجديدة كـ"شوغون" ابتداءً من 1338م. اتجه الإمبراطور المعزول "غو دائي-غو" إلى مناطق الجبال جنوب نارا، وأسس بلاطا ثانيا موازيا. كان هذا الحدث بداية الحرب الأهلية بين البلاطين وقد أطلق المؤرخون على هذه الفترة اسم "نان بوكوتشو" أو "فترة البلاطين الجنوبي والشمالي" س(1336-1392 م.)، انتهت الفترة سنة 1392 م. عندما تصالح الـ"شوغون" مع البلاط الجنوبي وقررا توحيد المملكة من جديد.

كانت صورة اليابان في هذه الفترة (فترة المحاربين) أكثر بأساً وأكثر عنفاُ من سابقتها. على أن هذا لم يخفي الجوانب الأخرى من هذه الحضارة والتي عرفت عهدا مشرقاُ. في الجانب الأدبي، يبدو أن الصراع بين عشيرتي (أو طائفتي) "التائيرا" و"الميناموتو"، ثم السقوط المفجع لأولاهما، هذه الأحداث أوحت نوع جديد من الكتابة، قائم على الملاحم والبطولات. من أبرز وأهم الشاهد على هذا الاتجاه، "قصة الهييكه" أو "هييكه مونوغاتاري" (平家物語) ح 1220 م. كما أن الشعر عرف دفعة جديدة، مع ظهور تصانيف جديدة، والتي كرسها شعراء كان من بينهم الإمبراطورغو توبا (後鳥羽天皇) أو "فوجي-وار نو سادائي". كان التيار الثقافي  متابعة للشعر الإمبراطوري بتأليف (شين كوكين واكاشو ) الذي ألف 12 مجلد بين 1201 و 1205.

وفي الجانب الديني عرفت فترة "كاماكورا" بقيام العديد من الطوائف الجديدة التي طغت على المدارس الدينية القديمة من أمثال "تنداي" و"شنغون"، كانت هذه الطوائف تدعوا إلى اختصار المعتقدات والشعائر إلى درجات أبسط من سابقتها والتي اختصر أصحابها في أبناء الطبقة الأرستقراطية. كان هدف هذه الحملة تشجيع الناس ممن لا يؤمنون بالمعتقدات البوذية، على اعتناق هذه العقيدة. من بين هذه الطوائف والتيارات، أتباع "آميدا" (أو بوذا على مذهب أهل اليابان)، والتي تم تطوير معتقداتها من طرف الراهبين "جنكو" و"شنران" (親鸞) ح(1173-1262). تقول هذه المعتقدات ببعث الأتباع من هذه الطائفة علي أرض طاهرة بشرط إيمانهم بسلطة "آميدا". انتشرت هذا المذاهب بسرعة وسط الفئات الشعبية وفي نفس الفترة تقريبا، اعتنق الرجال المحاربين مذهب "زن" () البوذي، وقد ساعدت المعتقدات والفلسفة التي كانت تدعو إليها هذا المذهب هؤلاء المحاربين في تقوية روحهم القتالية أثناء وجودهم على ساحة القتال. تفرعت بعدها طائفتين عن هذا المذهب، الأولى "رِن زائي" (臨済)، أسسها الراهب البوذي "ميوآن إئيسائي" (明菴栄西)، الثانية "سوتو" أو "سوتو-شو" (曹洞 )، أسسها الراهب "دوجن زنجي" (道元 禅師). ثم سنة 1253 م. قامر راهب آخر هو "نيشيرن" بإنشاء طائفة أخرى هي "اللوتس" (نسبة إلى زهرة اللوتس) أو "نيشي رن" (日蓮)، والتي كان لأتباعها دور سياسي أثناء هذه الفترة

فترة موروماشي 1338-1573 م  (室町時代) (‏13

سيطرة الأشيكاغا

بعد أن تم تنصيبه "شوغونا" على البلاد، "بدأ "أشيكاغا تاكا-أوجي" (足利 尊氏) مؤسس سلالة الـ"أشيكاغا" أولى المحاولات لتوطيد دعائم حكمه وتقوية قبضته على البلاد. إلا أن الأمور كانت معقدة، حيث دخلت البلاد فترة حروب أهلية ثم أخذت الأمور تتحسن مع تولي ابنه أشيكاغا يوشي-آكيرا" (足利 義詮)، الذي حكم ما بين 1358 إلى 1367 م.، ثم حفيده "يوشي-ميتسو" (義満)، والذي حكم سنوات 1385-1394 م. فسادت البلاد أجواء هادئة. قام هؤلاء بإقامة علاقات تجارية رسمية مع الصين، مما حفز نمواً اقتصادياً للبلاد أثناء هذه الفترة، وتشكلت بموازاة ذلك طبقة برجوازية من بين سكان المدن.

مع بداية القرن الخامس عشر، بدأت الحكومة المركزية تفقد سلطتها لصالح بعض القادة الزعماء من كبار المحاربين بعدما استقروا في المقاطعات الداخلية ومن ألقاب هؤلاء المحاربين  "داي-مي (大名) .

 بدأت البلاد تخرج شيئا فشيئا من سيطرة الـ"شوغونات"، وعرفت الفترة أحداث دامية وحركات ثورية قادها الأهالي والفلاحين.

مع كل العنف والاضطرابات التي ميزت البلاد، كان لـ"شوغونات الأشيكاغا" اهتمام خاص بالحياة الثقافية والفكرية. عرف عهد "أشيكاغا يوشي-ميتسو"، ثالث "شوغونات" الأسرة، نشاطا مكثفاً، أعلن الحاكم نفسه راعياً للآداب والفنون. كانت أكثر هذه الفنون مأخوذة من تلك التي كانت منتشرة في بلاط سلالة الـ"تانغ" (唐朝) الصينية (618-907 م.)، ثم الـ"سونغ" (宋朝) من بعدها. قام الرهبان البوذيون من طائفة "الزن" () وآخرون من المتأثرين بالفلسفة الكونفوشيوسية بإدخال هذه الفنون. أبرز هذه الفنون كان المسرح الذي قام بإدخاله "زآمي". عرف في بدايته باسم "نو". بالإضافة إلى بعض الطقوس الخاص التي تم استحداثها، على غرار "مراسيم تقديم الشاي" (茶の湯) أو "تشا نو يو"- ماء ساخن لتحضير الشاي-.

حروب أونين 1467-1477 م (応仁) ‏14

هي فترة من تاريخ اليابان، كانت فيها البلاد مسرحا لحروب أهلية طاحنة. تعتبر هذه الفترة جزءا من فترة موروماتشي التاريخية. أعقبتها فترة أكثر دموية هي فترة المقاطعات المتحاربة أو سن غوكو جيدائي (戦国時代).

اندلعت حروب الأونين بسبب خلاف حول العرش الإمبراطوري، كانت عشيرتي الهوسوكاوا واليامانا طرفي الصراع، دامت ما بين سنوات 1467-1477 م. منذ بداية عهد شوغانات الأشيكاغا عام 1336 م في كيوتو، أبدى العديد من الزعماء الكبار في البلاد رفضهم للوصاية التي فرضها عليهم الحكام الجدد، تزعمت إحدى العشائر النبيلة (ترجع في أصولها إلى العائلة الإمبراطورية) أولى حركات العصيان، ثم تبعهم الزعماء الكبار في المقاطعات أو الداي-ميو. أخذت قوة نظام الشوغونات في التهاوي السريع، وبالأخص مع مقتل الشوغون التاسع أشيكاغا يوشي نوري الذي عاش في الفترة من  عام 1394 حتي 1441 م.  بعد وفاته، بدأت الكوارث تجتاح البلاد، فانتشرت المجاعات  والأوبئة واندلعت ثورات كبيرة في البلاد عرفت باسم إيكي. لم تكن لحكام المقاطعات القدرة على احتواءها، كان الأهالي يطالبون برفع الضرائب عنهم، وتأخير الآجال المفروضة عليهم لدفع مستحقاتهم من الديون. اضطر شوغون البلاد أشيكاغا يوشي ماسا الذي حكم في الفترة (1443-1473 م) أن يخضع للمطالب الشعبية فتم إقرار عدة إجراءات لتهدئة الأمور.

الصراع على الحكم

حسب الأعراف اليابانية، يقوم الحاكم (الإمبراطور أو الشوغون) باختيار شخص من بين ذريته أو عائلته والذي يراه الأنسب لخلافته. سيرا على المنهج قام يوشي-ماسا باختيار شقيقه يوشي مي خليفة له. أثار هذا الاختيار غضب زوجته هينو توميكو والتي كانت ترى أن ابنها يوشي هيسا أحق بمنصب الشوغون من عمه. انضم إليها في مسعاها الوزير إيزه ساداشيكا، قام الاثنان بتدبير محاولة للتخلص من يوشي-ماسا.

 فشلت المحاولة، وكانت النتيجة تشكيل تحالف قوي لحماية السلطة القائمة مكون من عشيرتي الهوسوكاوا واليامانا، أما الوزير السابق إيزه ساداشيكا فكان مصيره الاغتيال.

بحلول العام 1465 م، قام يوشي-ماسا بالعدول عن قراره السابق، وعين ابنه وليا للعهد. كان قبل ذلك قد كسب تأييد يامانا موشيتويو زعيم عشيرة اليامانا، فيما فضل هوسوكاوا كاتسوموتو زعيم عشيرة الهوسوكاوا تأييد شقيق الشوغون، في واقع الأمر أراد بذلك الوقوف في وجه هيمنة عشيرة غريمه كاتسوموتو على المناصب الحساسة في الدولة.

بدأ كل من الأطراف -عشيرتا الهوسوكاوا واليامانا- بحشد الجيوش، ثم انضم إليهم حلفاء جدد من بين الزعماء في المقاطعات (الداي-ميو). جرت أغلب المعارك حول مدينة كيوتو، وامتدت أحيانا حتى أصبحت شوارع المدينة ساحات لها وبلغ عدد المجندين فيها حوالي 400.000 شخص على امتداد سنوات الحرب. قام زعماء الحرب بتغيير تحالفاتهم أكثر من مرة، كانت النتيجة أنه لم يستطع أي من طرفي الصراع حسم الموقف على ساحة المعركة. كانت وفاة زعيمي العشيرتين المتقاتلتين المفاجئ سنة 1473 م، السبب المباشر لتوقف المعارك وتفرق القوات المقاتلة.

عام 1473 م، أبدى "يوشي-ماسا" تخليه عن الحكم وقام بتنصيب ابنه "يوشي-هيسا" ع(1435-1489 م) "شوغونا". كان الحاكم السابق يريد أن يكرس حياته للفنون والآداب، فقام بعدها بتشييد مقر جديد (على مقربة من العاصمة "كيوتو") وعلى طراز معماري مستحدث: "السرادق الفضي" أو "غينكاكو-جي" (銀閣寺)، وانعزل بداخله عام 1483 م.

ترك "يوشي-ماسا" نظام الـ"شوغونات" من بعده هشا، لم يستطع الـ"شوغون" الجديد التحكم في طموحات زعماء المقاطعات "داي-ميو"  . قام بعض الزعماء ممن طمعوا في استغلال الموقف لزيادة رقعة أراضيهم، بإشعال شرارة الموجهات الأولى. ثم انتشرت المواجهات لتعم أغلب مناطق البلاد، وبلغت العاصمة "كيوتو" نفسها. وفي نهاية عام 1477 م، هدأت الأحوال نسبياً.  يعتبر المؤرخين هذه السنة تاريخ انتهاء ما عرف بـ"حروب أونين" (応仁). بدأت بعدها بمدة فترة شهدت أحداثا أعنف من سابقتها، عرفت باسم "فترة المقاطعات المتحاربة" أو "سن غوكو جيدائي" (戦国時代)

فترة المقاطعات المتحاربة أو "سن غوكو جيداي 1477-1573 م  (戦国時代)

أخذ شأن زعماء الحرب يعلو مع ضعف حكم "شوغونات الأشيكاغا ، فيما فقدت السلطة السيطرة على الأوضاع، وبرز العديد من المحاربين الكبار حاول بعضهم توحيد البلاد تحت رايته وأدي ذلك إلي دخول البلاد أثناء هذه الفترة أعنف مرحلة في تاريخها.

حلت طبقة جديدة من الزعماء أطلق عليها تسمية زعماء الحرب " سن غوكو داي-ميو(戦国大名) مكان الزعماء الحكام أو الـ"شوغو دائيم-يو". كان همهم الأول السيطرة المطلقة على الأراضي. قام هؤلاء بوضع القوانين، وترسيم حدود الأراضي ثم حددوا مبادئ عامة لطبقتهم استوحوها من عادات المحاربين المحليين. تأثر هؤلاء المحاربين كثيراً بالمبادئ الأخلاقية لمدرسة المعلم كونفوشيوس، أكثر من تأثرهم بمبادئ مذهب "زن" البوذي السائد آنذاك. كانت هذه القوانين المسودة الأولى لما عرف لاحقا بـ"ميثاق الشرف للمحاربين" أو الـ"بوشيدو" (طريق المحارب)

حاول سيد كل مقاطعة أو الـ"داي-ميو"، أن يبسط هيمنته على المقاطعات الأخرى. كانت النتيجة أن دخل كل واحد من هؤلاء في صراع مع كل جيرانه. ثم امتدت الفوضى لتشمل كل البلاد، وكان بين هؤلاء من يفكرفي ضم البلاد بأكملها إليه.

حاول كل من تاكيدا شين-غن (武田 信玄) وغريمه أوئي-سوغي كن-شين (上杉謙信) الاستيلاء على العاصمة "كيوتو"، فيما قام كلاً من "أودا نوبوناغا" (織田 信長) و"توكوغاوا إيئه-ياسو  (徳川 家康) بتوسيع مناطق سلطتهما. عام 1573 م قام "أودا نوبوناغا" بعزل آخر الشوغونات "أشيكاغا يوشي-آكي"، الذي أعانه قبل ذلك في استعادة عرشه. يعتبر المؤرخون هذا التاريخ نهاية حقبة العصور الوسطى من تاريخ اليابان، وبداية الحقبة المعاصرة.

ورغم الحروب المتواصلة، عرفت العديد من المقاطعات نشاطا اقتصاديا مزدهرا. ظهرت ونمت العديد من المدن الجديدة، وبالأخص من حول القصور والموانئ، بعضها الآخر أنشئ على مشارف الطرقات البحرية(البحيرات أو الأنهار)، على امتداد الطرقات البرية الرئيسية. أصبحت العديد من المدن الكبرى على غرار العاصمة "كيوتو" مستقلة بإدارتها.

بداية التغلغل الأوروبي

مع مجيء البرتغاليين، والذين دخلوا البلاد عن طريق ميناء "كاغيشيما" عام 1543 م. جلب هؤلاء معهم تقنيات جديدة لم يكن يعرفها اليابانيين من قبل. كان أهمها "البارودة" (البندقية البدائية والتي كان يتم حشوها يدويا). قام الحرفيون المحليون بعمل نسخ لهذا السلاح، وكانت النتيجة أن تطورت الحروب وأصبحت أكثر دموية. شيء آخر جلبه البرتغاليون، وهو المسيحية. قاد حملات التنصير القديس "فرانسوا" من جماعة اليسوعيين. وبدأت الجماعات التبشيرية عملها رسميا منذ 1549م. ويبدوا أن "الشوغونات" تغاضوا، ولو مؤقتاً عن هذه الديانة الجديدة، للفائدة التي كانوا يجنوها من وراء الداخلين الجدد. إلا أنهم وفور استنفاد هذه المنافع، جاءت ردة فعلهم سريعة وعنيفة، كما سيتضح لاحقاً.

فترة أزوتشي موموياما (安土桃山時代) 1573 - 1603  ‏15

تعتبر مرحلة انتقالية بين فترتي حكم شوغونات كل من "أشيكاغا" (足利) ثم الـ"توكوغاوا" (徳川). أهم ما ميزها هو استعادت البلاد لوحدتها السياسية. سميت هذه الفترة باسم القصرين الذين احتضنا بلاطي الحاكمين الأولين (أزوشي ثم موموياما).

عرفت هذه الفترة بداية الوحدة السياسية لبلاد اليابان، تمت العملية على ثلاث مراحل. قاد اليابان في كل مرحلة زعيم متفرد في شخصيته. أول هذه الشخصيات الفريدة كان "أودا نوبوناغا (織田 信長) "، استطاع بفضل ذكائه وبعد نظره أن يحقق ما عجز قادة كبار آخرين عن تحقيقه. كان "أودا نوبوناغا" حاكما أو "داي-ميو" (大名) على منطقتي "أوواريا" و"ناغويا"، استطاع أن يطرد آخر الشوغونات من عائلة "أشيكاغا" بعدما استولى على عاصمتهم. اتخذ لنفسه مقرا جديدا في "أزوشي"، ثم بدأ من هناك محاولته للسيطرة على البلاد وتوحيدها. استولى على أكثر من نصف السهول الواقعة شرقي البلاد، وأنهي بذلك سيطرة رجال الدين (الكهنوتيين) وأصحاب المعابد على تلك المناطق.

بعد خيانة أحد أتباعه، أجبر "أودا نوبوناغا على الانتحار. تولى الأمر من بعده "تويوتومي هيده-يوشي" (豊臣秀吉)، والذي كان قائدا على الجيوش أثناء عهد أودا نوبوناغا. اتخذ من "أوساكا" مقرا له، كما استطاع أن يقنع البلاط الإمبراطوري بأن يوليه مسؤوليات كبيرة عدا منصب الـ"شوغون"، والذي كان حكرا على أبناء "ميناموتو". قام "تويوتومي" ومنذ 1586 م بإصلاحات سياسية واقتصادية، كان هدفها زيادة نفوذه وسلطته على البلاد. سنة 1595 م وبمساعدة أحد حلفائه الجدد "توكوغاوا إيئه-ياسو" (徳川 家康)، استطاع تويوتومي أن يوحد كامل بلاد اليابان، بما في ذلك "شيكوكو"، "كيوشو" ومناطق السهول في الشمال الشرقي. تعرض "تويوتومي" أثناء هذه الفترة لأزمات صحية، كما تدهورت حالته العقلية. منذ 1592 م قام بمحاولة لغزو "كوريا". فشلت المحاولة الأولى، ثم أتبعها بأخرى سنة 1597 م. توفي "تويوتومي" سنة 1598 م أثناء محاولته الثانية لغزو "كوريا" و كان ابنه الوحيد لم يبلغ بعد الخامسة.

بمجرد وفاة "تويوتومي"، قام الحلفاء (من حكام المقاطعات وغيرهم) بخلع أنفسهم من عهد البيعة والولاء تجاه ابنه الصبي، ثم تنازعوا علي الخلافة. استطاع  توكوغاوا إيه-ياسو (徳川 家康) أن يحسم الصراع، عندما سحق المتنازعين في معركة "سه-كيغاهارا" (関ヶ原の戦い) سنة 1600 م. في عملية فريدة تعكس طموحه الشخصي. قام " توكوغاوا إيه-ياسو " باختلاق نسب وهمي يرجع به إلى "ميناموتو نو يوريتومو" (源頼朝). بفضل هذه الخطة استطاع أن يقنع البلاط الإمبراطوري بأن يمنحه لقب الـ"شوغون" سنة 1603 م. تأسست بذلك سلالة جديدة من الـ"شوغونات" عرفت باسم "توكوغاوا"، سادت البلاد أثناء حكم الأسرة فترة من الاستقرار السياسي دامت حتى منتصف القرن الـ19 م.، عرفت الفترة باسم "فترة إيدو" (江戸時代).

فترة إيدو 1603-1868 م  江戸時代 ‏16

هي آخر الفترات من تاريخ اليابان القديم، مهدت هذه الأخيرة لقيام فترة أو عهد مييجي ( بداية التاريخ الحديث للبلاد).

في سنة 1603 م، خلع البلاط الإمبراطوري على توكوغاوا إيه-ياسو (徳川 家康)  لقب الـشوغون. كان ذلك تتويجا لمرحلة استعادت بعدها البلاد وحدتها السياسية. قام ثلاثة من الزعماء الكبار بأعباء هذه المهمة، وقد عرفت الفترة التي شهدت أحداث الوحدة باسم فترة أزوشي موموياما (安土桃山時代).

بدأ توكوغاوا إيه-ياسو (徳川 家康) عهده بحركة أراد من خلالها أن يضمن لسلالته البقاء في السلطة. قام ومنذ 1605 م بالتنازل عن السلطة لصالح ابنه، لم يكن الأمر في الواقع إلا مناورة جديدة كان إيه-ياسو في الواقع يسيطر على كافة مناصب اتخاذ القرار، كما كان يشرف بنفسه على صياغة القوانين ووضع المراسيم. وقد استمر على سيرته حتى وفاته. قضى سنة 1615 م على أبناء هيده-يوشي عندما غزا قلعتهم في أوساكا. اتخذ لحكومته مقرا جديد في إيدو (江戸) (اليوم: طوكيو)، أصبحت المدينة بعدها أكبر وأغنى المدن في البلاد. اتخذ سلسلة من الإجراءات لإصلاح النظامين السياسي والاقتصادي، الشيء الذي مكنه من أن يبسط سيطرته على البلاد. عند وفاة إيه-ياسو عام 1616 م، كانت اليابان قد أصبحت وحدة سياسية، كما أصبحت تتمتع بنظام سياسي مستقر.

مهدت سياسة الحكم التي أرسى دعائمها إيه-ياسو الطريق أمام سلالته (الـتوكوغاوا) للبقاء أكثر من ثلاثة قرون من الزمن. عرفت اليابان أثناء عهد أسرة الـتوكوغاوا ولأول مرة منذ عدة قرون نوعا من الاستقرار السياسي، كما عم البلاد الأمن.

تشكل النظام الجديد

كان نظام الحكم يرتكز على شخصية الـشوغون، أصبح الأخير أكثر مالاً وقوة من بقية الزعماء الإقطاعيين الـداي-ميو (大名)، بلغ عدد جيشه أكثر من 80.000 شخص، كما بسط سيطرته المباشرة على المدن الكبرى، الموانئ المهمة في البلاد، الطرقات والمعابر الرئيسة وغيرها. يحكم الـشوغون بمفرده، يساعده مجلس مؤلف من وزراء دولة أو روشو ومجموعة من المستشارين أو واكاشيدوري. كما يساعده في مهامه محافظ إيدو، القائم على شؤون المالية، وآخر على الشؤون الدينية... في بداية عهد فترة إيدو كانت اليابان بها 270 من الـداي-ميو (الزعماء الإقطاعيون)، كانوا يتوزعون على ثلاث مجموعات:

شنبان داي-ميو: أكثرهم من عشيرة وأبناء إيه-ياسو

فودائي داي-ميو: أكثرهم من الحلفاء المواليين للأسرة الحاكمة،

توزاما داي-ميو من الحلفاء الذين تم إخضاعهم بعد فترة 1600 م، أغلبهم تخشى شوكتهم.

الطبقات الاجتماعية

بمجرد اعتلاءه سدة الحكم قام توكوغاوا إيه-ياسو (徳川 家康) بإعادة تقسيم الأراضي والثروات كما قام بسن الطبقية في المجتمع الياباني. أصبح بالإمكان تمييز عدة طبقات على غرار طبقة المحاربين، الفلاحين، الصناع والتجار، نبلاء البلاط، رجال الكهنوت البوذيين (الرهبان) وخدام المزارات الشنتوية ثم طبقة أخيرة تعيش بمعزل عن المجتمع تعرف باسم هينين (يمكن ترجمتها بـالمنبوذين).

طبقة المحاربين

المحاربون أو الـبوشي (武士)، رجال هذه الطبقة يمكن أن يكونوا من الـداي-ميو (大名) وهم كبار الزعماء الإقطاعيين، الساموراي () والذين يضعون أنفسهم في خدمة أحد الزعماء، أو الـرو-نين (浪人) وهم من رجال الساموراي السابقين والذين انتهت مدة خدمتهم لسبب أو لآخر (عادة عند وفاة الزعيم)

يتحكم رجال هذه الطبقة في رقاب الأفراد من الطبقات الأخرى، يتبع كل منهم نظاما قائما على أساس الموالاة ،كل فرد يتبع آخرا أعلى رتبة منه وهكذا حتى أعلى الهرم. وكان لكل منهم الحق في أن يمتلك معقلا له ولعشيرته (قد يتملك أراض بطريقة مباشرة، أو قد يكون له الحق فقط في الاستفادة مما تنتجه، كمحاصيل الأرز مثلا)، يتوجب عليهم في المقابل أن يبدو السمع والطاعة اتجاه أسيادهم وزعمائهم وأن يهبوا حياتهم إذا توجب الأمر.

يمنع على الزعماء الكبار (الـداي-ميو) أن يشيدوا أكثر من قصر واحد في المقاطعة الأصلية، كما يتم استدعائهم إلى مقر الحكومة العسكرية (الـشوغونية) حتى يعلنوا ولائهم وطاعتهم للحاكم وفق تنظيمات خاصة بالمحاربين تعرف باسم بوكي شوهودو (وضعت سنة 1615 م).

 منذ سنة 1635 م أصبحوا مجبرين على ترك أبنائهم (كرهائن) في العاصمة إيدو (طوكيو)، كما توجب عليهم الإقامة بأنفسهم عاما كاملا كل سنتين فيها. عرف هذا النظام الفريد من نوعه باسم سانكين كوتاي أو الإقامة المتناوبة.

طبقة الفلاحين

يشكل الفلاحون، سواء كانوا من صغار الملاك أو الكادحين البسطاء، الأكثرية في تعداد السكان في بلاد اليابان أثناء فترة إيدو، وعلى هذا أخضع أفراد هذه الطبقة إلى نظام أكثر شدة. كان يمنع عليهم اقتناء أو بيع أو إهمال الأراضي التي يقومون بزراعتها، كما لا يحق لهم زرع أصناف أخرى من المزروعات غير تلك التي تم تقييدها في السجلات العقارية.

كانت هذه التدابير تهدف إلى منع قيام طبقة جديدة أكثر ثراء من بين ملاك الأراضي، كما كان يراد منها تعطيل عادة قديمة متبعة بين بعض من أبناء الشعب الياباني التواق إلى السفر (كان ذلك مهربا لهم من حياتهم اليومية المتعبة والشقية)، حيث كان بعضهم يدعي أنه سيقوم برحلة حج إلى إحدى المزارات المشهورة، ثم لا يلبث أن يختفي، ممضيا بقية حياته متسكعا في الطرقات، يتمثل قوت يومه الوحيد في الصدقات التي يدفعها إليه بعض أصحاب القلوب الرحيمة.

طبقة الحرفيين والتجار

مع بداية القرن الـ16 م (1500 م) أخذ أفراد هذه الطبقة يتزايد باضطراد، كانت هذه تجمع بين أفرادها حرفيين وصناع من شتى المجالات بالإضافة إلى الأفراد المشتغلين بالتجارة. كان تنوع أفرادها من العوامل التي صعبت السيطرة عليها. غالبا ما كان أصحاب كل نشاط يقومون بإدارة أنشطتهم بأنفسهم. قام العديد من القرويين والذين تقع قراهم على واجهة البحر، بتنظيم نشاط الصيد وكذا عملية استخراج الملح البحري. وفي الجبال البعيدة تشكلت تجمعات تضم كل من يمتهن الحطابة، ثم أخذ أفرادها ينظمون عملية استخراج الحطب وعلى حسب الاحتياجات القائمة. وفي نفس الفترة أخذ نشاط استغلال المناجم يأخذ مكانه بين النشاطات التقليدية الأخرى التي كانت معروفة آنذاك.

كانت المدن (على غرار القرى والأرياف) تعرف نشاطا لا يكاد يهدأ ألا وهو نشاط صناعة النسيج الذي شهد نمواً نموا سريعا، كما ظهرت أنشطة أخرى، كصناعة الفخار والأصبغة ومواد الطلاء وصناعة الورق وصناعة الخمور. مع تطور الصناعة المحلية، بدأ النشاط التجاري يعرف حيوية بدوره وقد كان لتحسن نظام المواصلات في البلاد دوره الكبير في ذلك. أخذت الأسواق تظهر في العديد من نواحي البلاد، كانت هذه الأخيرة تشكل المحور الذي يصاحب ظهور تجمعات من السكان، ثم ما لبثت أعداد هؤلاء تتزايد حتى تشكلت تجمعات سكانية كبيرة. كانت أوساكا من أكبر مدن البلاد، كان أغلب تجار الجملة في اليابان يتخذونها مركزا لنشاطاتهم، كان ذلك مؤشرا لظهور طبقة وسطى جديدة (البورجوازيون) من أصحاب الأموال، قام هؤلاء بإدخال أنماط جديد في التعاملات المالية اليومية، كالقروض البنكية، أو السندات المالية.

طبقة النبلاء ورجال الدين

قام النظام بوضع رجال البلاط تحت الرقابة الصارمة. منذ سنة 1615 م تم سن ستة عشرة قانون خاصة بأبناء هذه الطبقة. كان النبلاء من رجال البلاط ملزمين بالتقيد بدراسة الآداب والعلوم الأخرى والامتناع عن ممارسة كل نشاط له علاقة بحمل السلاح. تم إقرار العديد من التنظيمات التي حصرت مجال نشاطات المعابد والأديرة كما أعيد تنظيم المدارس الدينية، كان الهدف من ذلك الحد من القوة المالية والروحية لهذه الطبقة. بعد فترة أولى ساد فيها التسامح، قام الشوغونات بمنع المسيحية في البلاد، كما شنوا حملة مطاردة، تم فيها اضطهاد العديد من أتباع هذه الديانة الجديدة.

العزلة وانغلاق البلاد

كان الـشوغونات يرون أنه يتوجب عليهم أن يتحكموا في حركة انتقال الأشخاص لضمان استقرار سياسي واجتماعي في البلاد. كانت الفكرة تقضي بأن يتم إغلاق كل منافذ البلاد (اليابان) على الخارج، ومنع السكان من التواصل مع بقية العالم، وقد تم تطبيق هذه الفكرة منذ القرن الـ17 م (1600 م). لم تلقي هذه الحركة رضا الأجانب وبالأخص الأوروبيين، كان الإنجليز الأكثر إصرارا على كسر طوق الحظر، كانت لهم سفارات عديدة كما اشتركوا مع الفرنسيين ثم مع الروس لعلهم يفلحون في إقناع النظام بالعدول عن قراره، إلا أن هذه الجهود باءت كلها بالفشل. منح الـشوغونات السفن البرتغالية والهولندية تراخيص تجارية خاصة، كان يسمح لها بالرسو مرة واحدة كل سنة في جزيرة ديشيكا بالقرب من ناكاساكي على السواحل اليابانية. كانت تجارة الحرير مع الصين يحتكرها البرتغاليون، وقد تمكن الـشوغونات من جني فوائد كبيرة جراء ذلك.

العلوم الفكرية والثقافة

عم الأمن أرجاء البلاد، ونجحت الإصلاحات المالية التي تم اتخاذها كما ارتفع مستوى الإنتاجية في معظم القطاعات الاقتصادية الحيوية، كل هذه العوامل جعلت من فترة إيدو من أزهى الفترات التي عرفتها البلاد، أصبحت اليابان والتي كانت على موعد حاسم في تاريخها بلادا تريد أن تحتل مكانا محترما بين جيرانها. أولى مراحل الإصلاح في هذه الفترة كانت في قطاع التعليم، تم تنظيم المدارس وتقسيمها حسب الطبقات المعروفة في المجتمع. في كل منطقة كانت هناك مدارس خاصة بأبناء العشائر المحلية (ويطق عليها تسمية هانكو بالمحلية) والتي تنتظم في معاقل خاصة بها، كانت مدارس الهانكو تستقبل أبناء المحاربين المنضمين تحت لواء العشيرة المتزعمة للمعقل. كان أغلب أبناء الشعب من سكان المدن أو الأرياف يرتاد المدارس الدينية (أو تيراكويا)، كانت هذه مفتوحة لأبناء الشعب وتخضع في تسييرها لأحدى المؤسسات الدينية التقليدية (دير، معبد، مزار...)، والعلوم التي يتم تدريسها يغلب عليها الطابع الديني. قامت إلى جانب ذلك مدارس متخصصة في المدن الكبرى، كان روادها من أبناء كل الطبقات وكانت تدرس فيها فيها شتى أنواع العلوم والمدارك التي كانت معروفة في البلاد آنذاك.

كان لتطور نظام التعليم في البلاد أثره الإيجابي على الحياة الفكرية. ظهرت حركة جديد قام فيها جمع كبير من الدارسين بعمل بحوث ودراسات شملت كامل البلاد وسميت بالدراسات الوطنية. أخذ هؤلاء الدارسين يبحثون في الكتابات القديمة، كان هدفهم استخراج كل النصوص التي تشبعت بالروح القومية اليابانية، أدي ذلك إلي إزدهار علوم اللغويات التي يتم فيها الدراسة اللغوية للوثائق المكتوبة وكذا علوم التاريخ. من رواد هذا الميدان يمكننا ذكر، كامو نو مابوتشي (1697-1769 م) وموتو-أوري نوريناغا والذين أصبحت أعمالها مرجعا لمن أتى بعدهما، فقد أعيد نشر ومناقشة العديد منها وبالأخص على يد هيراتا أتسوتاني (1776-1843 م). اهتم رجال الثقافة في هذا العصر بالعلوم الغربية أيضا، كانت هذه العلوم قد دخلت البلاد عن طريق التجار الهولنديين، ومن بين العلوم التي تناولها اليابانيون باهتمام كبير: علم الفلك و الرياضيات وعلم الخرائط.

كان انتشار أفكار الـكونفوشسيوسية الجديدة من أهم ما ميز الحياة الفلسفية في اليابان أثناء فترة إيدو، ويعد هاياشي رازان (1583-1657 م) من أهم زعماء هذا التوجه الجديد. كان يركز في أفكاره على أهمية العلاقات القائمة بين الطبقات الاجتماعية، وأهمية احترامها، إلى قيمة الولاء والطاعة بين أبناء العشيرة الواحدة.

عرفت الفترة اهتمام واسعا بالروايات التاريخية، كانت في معظمها تنتهي بعبرة أو درس في الأخلاق. قام هاياشي رازان بتصنيف تاريخ كبير للبلاد على هذه الشاكلة، كما تناول أرائي هاكوسيكي الفترة الأسطورية بالدراسة وأخضعها إلى ميزان علوم اللغويات الببليوغرافية.

مع تحسن المستوى المعيشي للسكان في المدن، وبالأخص كيوتو (京都) وأوساكا (大阪) ظهرت ثقافة شعبية خاصة بطبقة جديدة من البورجوازيين. من أهم مظاهر هذه الموجة الجديدة كان ابتداع مسرح العرائس أولا ثم مسرح الـكابوكي (歌舞伎) على يد شيكامتسو مونزا-إيمون (近松 門左衛門) فيما بعد. إلى جانب المسرح عرف فن القصص الشعبي مرحلة ازدهاره مع كتابات إيهارا سائي-كاكو، كما برز ماتسو-أو باشو (松尾芭蕉) كواحد من أهم أعمدة الشعر التقليدي الياباني المعروف باسم هايكو (俳句).

انهيار نظام الشوغونية

بعد وفاة ثالث الـشوغونات من أسرة الـتوكوغاوا، قادت البلاد حكومة وطنية مؤلفة من مجلس من نخبة رجال البلاط، كانت الروح الكونفوشيوسية تقودهم في عملهم. قامت هذه الحكومة بسن العديد من القوانين للحد من مظاهر العنف التي ميزت المجتمع الياباني، تم أولا تعطيل العديد من الحالات التي يتم فيها اللجوء إلى الانتحار أو الـسيبوكو، بعدها بعامين تم منع عادة قديمة يقوم فيها الجيران المتخاصمين باختطاف أفراد من العوائل الأخرى واستعمالها كالرهينة ثم المقايضة بها. أصبح العديد من المحاربين (على اختلاف رتبهم) ممن أعلنوا ولاءهم للنظام الـشوغوني مجرد موظفين في الدولة، تدفع لهم رواتب على قدر مرتبتهم في سلم الوظائف وليس على قدر رتبهم العسكرية. على الرغم من الجهود التي بذلتها القيادة الجديدة للبلاد، والإصلاحات التي تم اتخاذها، كانت مجريات الأحداث تنذر بالأسوأ، فمنذ النصف الثاني من القرن الـ17 (1600 م) أخذت الثورات والانتفاضات الشعبية تزداد حدة وعنفا. أصبحت موارد البلاد تتضاءل، كان النظام يعتمد على صادرات البلاد من الفضة، وكانت المقايضة تتم على أساس سعر الأرز، الذي كان يتهاوى. تم اتخاذ إصلاحات اقتصادية جديد قام بوضع خطتها أحد ألمع رجال السياسة في عصره أرائي هاكوسيكي. إلا أن الأقدار أبت إلا أن تضاعف من حجم الخسارة، فتوالت الجوائح (الكوارث الطبيعية) على البلاد: الجفاف، الحرائق، الأوبئة، ثورات البراكين وأخيرا المجاعات.

انفتاح البلاد القسري

عام 1853 يقوم أسطول من البحرية الأمريكية يقوده ماثيو بيري بكسر طوق الحظر عندما دخل عنوة خليج إيدو (طوكيو اليوم). قام قائد البحرية الأمريكية بتقديم طلب رسمي يتضمن الموافقة على فتح موانئ ومنافذ البلاد الخارجية على التجارة مع الدول الخارجية. كان وضع النظام الـشوغوني هشاً، وقد ساهمت المصاعب الاقتصادية ثم الأزمات السياسية في تعقيد الوضع أكثر. بعد أخذ ورد وافق النظام الياباني على توقيع اتفاقية كاناغاوا في مارس 1854. تم بموجبها فتح مينائي شيمودا في شبه جزيرة إزو وهاكوداته في هوكايدو على المبادلات التجارية، كما تم ترخيص المراكب الأجنبية بالتزود في الموانئ اليابانية عند حاجتها لذلك.

بعد توقيع الاتفاقية الأولى بسنتين، عرفت البلاد مقدم القنصل الأمريكي الجديد تاونزند هاريس (Townsend Harris) ،  الذي قام  بإعداد مشروع وثيقة جديدة تهدف إلى فتح مواني جديد أخرى وكذا تسهيل التجارة وتحريرها من القيود. تمت إعادة توقيع الاتفاقية من جديد في يوليو من سنة 1858، وقد وقع عليها من الطرف الأجنبي كل من الولايات المتحدة أولا ثم تلتها كل من إنجلترا، فرنسا وأخيرا روسيا.

بعد وفاة الشوغون إيه-سادا، دخلت البلاد أزمة سياسة عاصفة. كانت أطراف عديد تتنازع القرار السياسي، دخل كبار الزعماء من الـداي-ميو والذي شكلوا ما يعرف بالمحافظين في صراع مع جماعة كانت ترى وجوب الدفع بالبلاد إلى الأمام ومحاربة الركود القائم، كما دار صراع آخر بين جماعة من الذين كانوا يرون وجوب طرد الأجانب من البلاد (الوطنيين) وجماعة أخرى كانت تؤيد عملية انفتاح البلاد على الخارج. أدت كل هذه الأزمات إلي تهاوي نظام الـشوغونية ، كما عجلت بميلاد عهد جديد مع بداية ما عرف بفترة مييجي سنة 1868 (سميت الفترة الانتقالية باسم استعراش مييجي نسبة إلى إعادة الإمبراطور إلى عرشه بعد أن كان يحكم البلاد صوريا).




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق